هل تكشف الكوميديا عن معدن الانسان

من طرف ghonem السبت أكتوبر 31, 2009 8:41 pm

هل تكشف الكوميديا عن معدن الإنسان الحقيقي؟

في أحد أدواره الكوميدية الشيِّقة، يهم (Mr. Bean) وهي الشخصية التي أجاد أداءها الممثل الإنجليزي رون أتكنسون ببراعةٍ فائقةٍ، بركوب القطار ليجد نفسه في المقصورة مع رجلٍ يقرأ بشغفٍ كتاباً مسلِّياً (ستيفن فروست). وسرعان ما تتحول قهقهاته التي يطلقها بين الفينة والأخرى إلى طلقات مدويةٍ من الضحك المتواصل تمنع (مستر بين) من قراءة كتابه المفضّل في صمتٍ وهدوءٍ. وحينما يجد (مستر بين) نفسه عاجزاً عن القراءة، يقوم بصّم آذانه باستخدام جواربه في بادئ الأمر، ثم عن طريق العلكة التي وجدها بالصدفة في حقيبته، ويفلح في تفادي سمع الضحك لفترةٍ وجيزةٍ، لكنه يُفاجأ بجامع التذاكر وهو يسأله عن تذكرة القطار، فيرمي الكتاب، وتذكرته التي بداخله، من شباك المقصورة، ليجد رفيق دربه في هذه الواقعة مبرراً إضافياً للانخراط في الضحك بوتيرةٍ أشّد ضجيجاً.
بدأ (مستر بين) في الظهور على الشاشة الصغيرة في العام ,1990 وفي أعماله الفنيّة التي تكاد تحاكي الأفلام الصامتة، كان يعتمد أساساً على أدائه الجسدي، فلا ينطق سوى كلمات معدودة، وحيث إن المشاهد ليس في حاجة لفهم مضمون الحوار، فقد اكتسبت هذه الأعمال انتشاراً واسعاً في مختلف أصقاع المعمورة، ودّرت أرباحاً طائلةً، ونال بفضلها الممثل جوائز تقديرية جمّة. وفي أغلب الأحيان، يجسِّد (مستر بين) أدواراُ لأشخاص يتميزون ببلادة الذهن والسذاجة والأنانية، وقد برع رون أتكنسون في لعب دور المهرِّج المحبوب شعبياً، الذي لا يدرك الطريقة التي يتم بها تسيير الأمور في الحياة اليومية، ويكتفي بأداء مهمات اعتيادية، كالذهاب إلى المسبح، والكنيسة، والشاطئ، وسواها.
وتتمثل الطرافة في أدوار (مستر بين) في أسلوب معالجته للمشكلات التي تصادفه، وهو أسلوب يتأرجح بين السخافة والتفاهة حيناً، والغرابة المشفوعة باللامبالاة إزاء مشاعر الآخرين حيناً آخر، ويتخذ هذا الأسلوب طابعاً تآمرياً مستتراً يتجلى أحياناً في تصفية الحسابات. ففي إحدى الحلقات نجد (مستر بين) شخصاً بريئاً يريد أن يقدِّم المعونة المادية للمحتاجين (عازف السكسفون في الشارع العام) لكنه يضطر لأداء حركات مضحكة كي يجمع قيمة المعونة المطلوبة من الناس ثم يسلّمها بدوره للعازف، وفي حلقةٍ أخرى نجده يورّط أشخاصاً آخرين في مواقف محرجة للجميع، كما هو الحال مع القارئ الذي دّس له (مستر بين) خِلسةً الكتاب الذي مزقّه بدون نية مسبقة في المكتبة، ونشل في المقابل الكتاب الذي استعاره القارئ ليسلمّه إلى أمين المكتبة على أنه الكتاب الذي استعاره هو نفسه.
إن الكوميديا تقود إلى تحرير آليات الدفاع لدى الإنسان، وذلك عن طريق تيسير ظهور الأفكار والانفعالات التلقائية (اللاواعية) التي يميل الفرد إلى منعها من الخروج إلى حالة الوعي، وقد وجد الدكتور جيمس وورثن (Worthen)، أستاذ علم النفس بجامعة ميتشيغن الأميركية، أن للدعابة دوراً مهماً في تحسين مهارة التذكّر، حيث بيّنت نتائج أبحاثه الميدانية أنه كلما تمكّن الشخص من توظيف الدعابة في توضيح المواقف العجيبة أو تفسير الرسوم الكارتونية الغريبة، استطاع استدعاء تلك المواقف أو الرسوم بعد فترةٍ زمنيةٍ قد تصل إلى أسبوعين، مع أن الكوميديا قد تؤدي أيضاً دوراً سلبياً عن طريق تركيز بؤرة التذكّر على الأشياء المهمة، ومنع التفاصيل الصغيرة من الترسّب في الذاكرة.
بيد أن الكوميديا ذات المضامين العميقة تكشف الكثير من المثالب في حياتنا اليومية، وهي قادرة على تعرية الواقع، وإظهار جوانبه المسكوت عنها، فحينما يجد الإنسان أمراً ما مضحكاً، فإن الكاتب البريطاني الساخر جورج برنارد شو (1856-1950) يوصيه بأن يفتِّش بعناية عن الحقيقة المخبأة فيه. وقد سعى (مستر بين)، من خلال أدواره المشوِّقة، إلى الكشف عن المعدن الحقيقي للإنسان، وإبراز طريقة تصّرفه في المواقف المحرجة، ولما كان الإنسان، بحسب الكاتب الفرنسي ساشا غيتري، يستطيع أن يتظاهر بالجدِّية لكنه لا يستطيع أن يتظاهر بالظرافة، فإن المرح يستطيع أن ينتشلنا من المواقف الصعبة، ويجرف الهموم بعيداً عن حياتنا، ويجعلنا نستمتع بكل لحظةٍ نعيش